في عام 2025، أعادت جوجل تعريف تجربة البحث من جديد عبر إدخال ميزة الذكاء الاصطناعي التوليدي (AI Overviews)، وهي نقلة نوعية جعلت صفحة النتائج أكثر ذكاءً وتفاعلاً من أي وقت مضى.
لكن خلف هذه القفزة التقنية، تقف أسئلة جادة حول مستقبل الناشرين والمحتوى المستقل، ومدى قدرة المواقع الإخبارية على الصمود في وجه “العقل الآلي” الذي بات يقدّم الإجابة قبل أن يضغط المستخدم على أي رابط.
ما هي ميزة AI الجديدة من جوجل؟
الميزة التي بدأت جوجل بتجربتها تحت اسم Search Generative Experience (SGE) تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتوليد ملخّص ذكي في أعلى صفحة النتائج، يقدّم للمستخدم إجابة سريعة مدعّمة بروابط محدودة للمصادر.
لم تعد النتائج مجرد قائمة روابط زرقاء، بل خلاصة تحليلية شاملة تجمع بين التفسير والمقارنة وتوليد النصوص في الوقت الفعلي.
هذا يعني أن المستخدم لم يعد مضطرًا لزيارة مواقع متعددة لجمع المعلومات — فجوجل أصبح “الكاتب” و”المُلخّص” في آنٍ واحد.
كيف تغيّرت صفحة نتائج البحث؟
-
ملخّص ذكي في الأعلى: يظهر في شكل صندوق ملوّن يتضمن نصوصًا منسقة وصورًا وروابط قليلة جدًا.
-
استمرار المحادثة داخل البحث: يمكن للمستخدم طرح أسئلة إضافية دون مغادرة الصفحة.
-
تحسين عرض المصادر: تظهر روابط المواقع كمراجع صغيرة أسفل الإجابة، لكنها لم تعد مركز التجربة.
-
نتائج مرئية أكثر: جوجل تضيف عناصر تفاعلية مثل الجداول والخرائط والصور المولدة بالذكاء.
تأثير مباشر على الناشرين وأصحاب المواقع
رغم أن التجربة الجديدة ترفع من جودة البحث وسرعته، إلا أنها تقلل من عدد الزيارات المباشرة للمواقع.
الدراسات الحديثة (2025) تشير إلى انخفاض في نسبة النقر (CTR) يصل إلى 30–50٪ عند ظهور نتائج الذكاء الاصطناعي في أعلى الصفحة.
السبب بسيط: المستخدم يحصل على الإجابة داخل جوجل نفسها، فلا حاجة له بزيارة المصدر الأصلي.
هذا التغير يعني أن المواقع الإخبارية والتقنية ستحتاج إلى إستراتيجيات جديدة للبقاء مرئية ومربحة.
كيف يمكن للناشرين التكيّف مع النظام الجديد؟
1. التركيز على المحتوى الأصلي والعميق
المقالات التي تحتوي على تحليل، بيانات حصرية، أو مقابلات حقيقية تصبح أكثر قيمة من الأخبار المنقولة.
جوجل تعطي أولوية للمحتوى ذي الخبرة الحقيقية (E-E-A-T) أي: الخبرة، المصداقية، والموثوقية.
2. تحسين البيانات المنظمة (Structured Data)
إضافة علامات Schema للمقالات، الأخبار، الأسئلة، والوصفات تجعل محرك البحث يفهم محتواك بشكل أدق ويعرضه كمصدر موثوق في ملخصات الذكاء.
3. تحديث المحتوى باستمرار
الذكاء الاصطناعي يفضل الصفحات الحديثة والمتجددة بالمعلومات، لذلك يجب تحديث الأخبار والمقالات القديمة بإحصائيات وتفاصيل محدثة.
4. تقديم قيمة لا يمكن لجوجل تلخيصها
مثل الأدوات التفاعلية، المقارنات بين المنتجات، الجداول التوضيحية، وملفات التحميل — وهي عناصر لا يستطيع الذكاء الاصطناعي عرضها بالكامل داخل النتائج.
هل يمكن أن يتراجع دور الناشرين؟
السؤال المطروح اليوم ليس “هل” بل “إلى أي مدى؟”.
جوجل تؤكد أن هدفها هو تحسين تجربة المستخدم لا تقليل حركة الويب، لكنها في الوقت نفسه تستثمر في إبقاء المستخدم داخل منظومتها لأطول فترة ممكنة.
النتيجة: الناشرون الصغار والمتوسطون سيكونون الأكثر تأثرًا، بينما الشركات الكبرى ذات البنية التقنية القوية يمكنها الاستفادة من الظهور كـ “مصدر رئيسي” داخل الملخصات.
نظرة مستقبلية
مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، قد تتحول صفحة البحث خلال العامين القادمين إلى تجربة حوارية بالكامل — حيث يصبح المستخدم قادرًا على التفاعل مباشرة مع الذكاء بدلاً من التصفح التقليدي.
هذا يعني أن مستقبل الإعلام الرقمي يعتمد على التخصص، التحليل، والتجربة الفريدة، وليس فقط السباق على سرعة النشر أو الكلمات المفتاحية.
الخلاصة
جوجل لم تعد مجرد محرك بحث، بل أصبحت محرك معرفة.
الميزة الجديدة للذكاء الاصطناعي تمثل خطوة كبرى نحو عصر “الإجابات الفورية”، لكنها في المقابل تفرض واقعًا جديدًا على الصحافة الرقمية:
من لا يقدّم محتوى فريدًا وموثوقًا، سيتحوّل إلى هامش في صفحة نتائج يكتبها الذكاء.
